مجدليا الأم تكرّم الإبن الشاعر شربل بعيني/ طوني سمعان الشيخ

عندما وصل الشاعر المهجري شربل بعيني إلى دار مختار مجدليّا السابق السيّد الياس ناصيف أبي خطّار، لـم يكن يعلم أن الدار تغصّ بالمدعوّين من أبناء قريته، وأن المختار وعائلته قد أعدوا مفاجأة حلوة له ولزوجته ليلى، بغية تكريمه في مسقط رأسه مجدليا. 
فلقد أبى المختار إلاّ أن يفتح داره الرحبة العامرة لتكريم الشاعر المجدلاوي العائد إلى وطنه، فأولـم على شرفه، وأشرقت الكلمات والقصائد. 
والمختار أبي خطّار عرفته الجالية العربيّة في أستراليا من خلال مشاركته في مناسبتين أدبيتين، ألا وهما: يوم محمد زهير الباشا عام 1989، وتكريم شربل بعيني عام 2001، من قبل رابطة الجمعيّات اللبنانيّة في السانت جورج. 
التكريم كان مفاجأة لشاعرنا المهجري، إذ أنه دُعي وزوجته لمشاركة الياس وفروسين وناصيف أبي خطّار طعام الغداء دون أن يعلموهما بما خبّأوه لهما، وعندما وصلا إلى مكان الدعوة بصحبة الأستاذ بدوي سمعان، وجدا العشرات من أبناء مجدليّا بانتظارهما، فصاح شربل بصوت عالٍ: ماذا فعلت يا مختار.. إنه أجمل يوم في حياتي؟. 
كل شيء أعدّ بإتقان، إن كان من ناحية التوقيت.. فالمناسبة أقيمت في العشرين من شهر كانون الثاني عام 2002، أي قبيل رجوع الشاعر بعيني إلى مغتربه بعدّة أيّام فقط. أو من ناحية التخطيط، إذ أنها جاءت غاية في الروعة والسخاء.. وهل عرف بيت الياس وفروسين أبي خطّار غير السخاء؟. أو من ناحية المدعوين، فلقد ازدانت بهم الدار العامرة واشرأبت. 
وحيد الدار ناصيف، كان مثل أم العروس، يرحب بهذا ويجلس ذاك، والفرحة تغمر كيانه. كيف لا، وهو يستقبل في بيته جاراً عزيزاً، ورفيق طفولة. إنه اليوم الذي انتظره بفارغ صبر، ليقول لابن قريته شربل: أهلاً وسهلاً بك في بيتك مع أميرتك ليلى. كما أنه عرف كيف يدير المناسبة الحاشدة، فطلب من كل عائلة أن تأخذ صورة تذكارية مع شربل وليلى، قبيل التوجّه إلى طاولات الطعام، فكانت الوجوه تشرق تحت أشعّة آلات التصوير، وابتسامات الفرح تتطاير في أرجاء القرية الآمنة المضيافة.. وصوت السيّدة فروسين يدغدغ الأسماع: تفضّلوا الأكل جاهز. 
ولكي لا تمرّ المناسبة بدون كلام، وقف سيّد الدار الياس أبي خطار، وقال: 
يسرّني، باسمي وباسم زوجتي فروسين وابني ناصيف وجميع أفراد عائلتي، وباسم كل فرد منكم يا أبناء مجدليّا الكرام، أن أرحّب بأمير الأدباء والشعراء في عالـم الإنتشار اللبناني، إبن مجدليّا البار شربل بعيني وزوجته الأميرة ليلى، اللذين يزوران لبنان زيارة خاطفة، رفضنا أن تمر دون أن نجمعه بكم، أنتم الذين عرفتموه طفلاً وشاباً قبل سفره إلى أستراليا. 
لقد كرّمت الجاليات اللبنانية والعربية في أستراليا إبننا شربل عدّة مرّات، وكان من حسن حظّي أن أكون في أستراليا لأشارك في مناسبتين عزيزتين على قلبي، الأولى: يوم محمد زهير الباشا عام 1989، وبه أعلنت عن عزمنا بتحويل البيت الذي ولد فيه شربل إلى متحف. والثانية: تكريم شربل من قبل رابطة الجمعيّات اللبنانيّة في السانت جورج عام 2001، بمناسبة فوزه بلقب أمير الأدباء والشعراء اللبنانيين، من قبل المجلس القاري للجامعة اللبنانية الثقافية في العالـم، قارة أميركا الشمالية، الذي يرأسه الدكتور جوزيف حايك، حماه اللـه وسدّد خطاه بغية رفع شأن أبنائنا المغتربين في العالـم. 
مجدليّا تفتخر بأبنائها أينما كانوا.. فلقد رفعوا رأسها عالياً في كافة المجالات الأدبيّة والعلميّة والإجتماعيّة، وخير دليل على ذلك تتويج إبنها البار شربل على عرش إمارة الشعر والأدب في عالـم الإنتشار مدى الحياة، فأهلاً وسهلاً به أميراً متوجاً في قلوبنا، وأهلاً وسهلاً بأميرتنا ليلى، وبكل فرد منكم.. وشكراً”. 
بعده، ألقى الأستاذ بدوي سمعان، صاحب النظريات الإقتصادية والمؤلّفات العديدة عن كيفيّة تطوير الإقتصاد اللبناني ورفعه إلى أعلى مستوى، قصيدة رائعة جاء فيها: 
بالمجدِ كُلّلتَ أم بالغارِ يا شربلُ 
ليلى الأميرةُ حسنٌ زانه خجلُ 
رمتَ المناهلَ في الدنيا فكان لكَ 
أدبٌ وشعرٌ صرحٌ راسخٌ جبلُ 
عشقتَ الخليقَة من نوح إلى "كوكٍ” 
ليلى وشربل نجمٌ ساطعٌ زُحلُ 
طاف اليمام على دوحٍ مجلَّلةٍ 
عزٌ وفخرٌ وحبٌ رائعٌ جللُ 
ضاء سماء الشرقِ يومَ ولدت بهِ 
وأشرقتْ أستراليا يومَ الأحبة رحلوا 
لا تحسبنَّ الأرز خابَ فأله 
طيفُ الأميرة شهبٌ لامعٌ وجلُ 
ملاعبُ مجدليّا تذكر طفولتكم 
وطلاّب موئلكم من علمكم نهلوا 
بيت الرعيّة مضيافٌ لكوكبةٍ 
دينٌ ودنيا وعلمٌ خير من عملوا 
للشرق والغرب درّة وسط لبنان 
مرتكزٌ للسلم.. منطلقٌ بالحب يشتعلُ 
باللـه يا ابن الأرز سطّر في مجلّتكم 
القدس لؤلؤةٌ.. مَن قالَ: مُعتقلُ 
بيروت شامخة في مجدها أبداً 
رمز الحضارة.. أعداؤها ذهلوا 
أيا أميرة.. لبنان الغد بلدٌ 
يهوى نسائمَك.. والحسنُ والخجلُ 
أمّا الشاعر شربل بعيني، الذي فاجأه التكريم المجدلاوي، فلقد شكر أصحاب الدعوة، وارتجل هذه الأبيات: 
يا مجدليّا.. بحبِّك عْبادِه 
رغم الضّياع بغربة المجهول 
يا أم.. مجدِكْ طافح زْيادِه 
إسمِكْ علمْ.. بالعاطفِه مغزولْ 
المجدلاوي بينعطى شْهاده 
إنسان مخلص بالتقى مجبولْ 
بالمُغترب: بيشرّف بلادي 
وبالوطن: قيمِه.. وحكي معسول 
رايق كتير.. مهذّب وهادي 
بمحبّتو.. رَسْمَلْ عْيَالْ كْتِيرْ 
وْبِيطلّتو.. عم تندوَخْ الِعقولْ 
الياس وفروسين وناصيف أبي خطّار عرفوا كيف يرحبّون بجارهم، بصديقهم، بابن بلدتهم شربل بعيني. وأثبتوا للجميع أن الأنبياء يكرّمون في بلدانهم، وأن مجدليا الأم لـم تنسَ، ولن تنسى أبناءها المغتربين مهما تكسّرت الأيّام، وبعدت المسافات. 
**