أتته كالحلم.. لـم يكن يعتقد أن بإمكان الريح الإغترابيّة استبدال العويل بالفرح والزغاريد. وأن بإمكان الانتظار الرمادي تصدير بنفسجه إلى العالـم.
لقد انكسرت قامته من كثرة العطاء، ولـم ينكسر قلمه. يراعه ظلّ شامخاً، لـم تتآكل حروفه، ولـم يشحّ عطاؤه.
إنه النائـم اليقظان في غربة مستبّدة، متى دخلتها تمسّكت بك واستعبدتك، ولكنه لـم ييأس، وكيف ييأس والتوق يشده إلى وطنه المسلوب الإرادة.. إلى أرزه المكفهّر الجبين.
أتته، على حين غرّة، لأن من أعطى الغربة سني عمره، وأجمل أدبه، ستعطيه الجامعة اللبنانية الثقافيّة في العالـم ما هو جدير به: إمارة الأدب.
قد يكون شربل بعيني ضد الزّعامات والملوك والأمراء، قد يكون ضد الألقاب، ضد التمييز وضد التشاوف، فمن زرع الأخلاق السامية في عقول الأجيال الإغترابية الصاعدة، يكره كل ما يسيء للآخرين.. وكل ما تمجّه الأخلاق. ولكن لقب أمير، منذ أحمد شوقي، وانتهاء بالأخطل الصغير، قد أرثى القواعد الصحيحة لأدب صحيح، أقل ما يقال فيه إنه صادق.
على الصفحة الأولى، رسمت البيرق بيرقاً جديداً أهدتنا إيّاه، بيرقاً أدبياً رفرف في غربتنا لأكثر من ثلاثين سنة ولـم يتعب، ولـم تتغيّر ألوانه، كما تتغيّر سحنات البعض كل لحظة. البيرق علّمتنا أن نحترم بعضنا البعض، وأن نشجّع مبدعينا، وأن أخبارنا الإغترابية أهـم بكثير من مئات الأخبار التي تنشر باجترار مقرف.
خبر إمارة شاعر الغربة الطويلة شربل بعيني على الصفحة الأولى، هذا أقل ما يطلبه المغتربون من إعلام يدفعون ثـمنه من عرق جبينهم.
البيرق.. عرفت كيف تعطينا حقّنا.. فألف شكر لها.
كتابات شربل بعيني ليست منزلة، قد يشوبها الكثير من السقطات الأدبيّة، وهذا ما يعترف به الشاعر نفسه. ولكن المجنون وحده من يسأل النهر الغزير المياه عن طحالب علقت بمياهه. فشربل بعيني شاعر غزير العطاء، كتب بالفصحى والعاميّة، بالنثر والشعر، ونشر العشرات من الكتب الأدبية والمدرسيّة، ووزع جائزة تحمل اسمه، كنت أنا من أوائل الحاصلين عليها بفخر لا يوصف. كما أنه ساهم بنشر الكثير من مؤلفات الآخرين، حباً بأدبنا الإغترابي، ومساهمة منه في نشره. فكيف لا نفرح بانتخابه أول أمير أدبي في عالـم الانتشار؟ كيف لا نفرح بالتفاتة شكر أتتنا من الخارج بواسطة أدب شربل بعيني الساكن بيننا، المتنقّل بيننا، والعامل معنا؟. من ناحيتي.. أنا مسرور للغاية، فلتقرع طبول الفرح في جاليتي، لقد كانت من نصيبنا إمارة الأدب.
منذ مدة طويلة، وأنا أفكّر بطريقة مبتكرة، تقدر أن تنقل للعالـم أجمع أدب شربل بعيني دون أدنى ارتباك. الإنترنت سيكون الوسيلة، ولكنني أريد التنفيذ أن يكون خارقاً، تكريماً لمن كرّمنا في غربتنا.
أليس هو القائل: القلـم الذي يكرّم يكرّم، والقلم الذي يشتم يشتم
شربل بعيني.. مبروك يا أمير
**