مَعزوفة حبّ شربل بعيني/ حنان فرج

لقد عُرِفَ الشّاعر شربل بعيني بأسماء كثيرة، منها: شـاعر المهجر الأوَّل، شاعر الغربـة الطّويلة، الإنسان الكبير، الشّاعر الأنسان وحبيب الشّعب.
وُلِدَ في العاشر من شهر فبراير ـ شباط عام 1951م، في بلدة مجدلَيّا قضاء زغرتا، من أسرة "يعود تاريخها في البلدة إلى مطلع القرن التّاسع عشر".
نظم ديوانه الأوّل "مراهقة" في لبنان عام 1968، وبعد ذلك هاجر إلى أستراليا.. فوصلها في صيف 1971.
أسّس في أستراليا جريدة "صوت الأرز" المجّانيّة، وأصدر منها بضعة أعداد فقط، وكانت تحمل إسم شركة "صوت الأرز" لتسجيـل الأشرطة الغنائيّة الّتي كان يديرها. ولكنّه ما لبث أن تحوّل عن تلك التّجارة، ليُحَوِّلَ اهتمامه إلى تدريس اللغة العربيّة، وإعداد الكتب الحديثة لتعليمها في أستراليا، وخاصّة في مدرسة "سيّدة لبنان" التّابعة لراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات في هاريس بارك ـ سيدني أستراليا.. حيثُ يعملُ الآن.
قام بنشر الكثير من الأعمال الشّعريّة المتنوّعة، منها الفصيح ومنها العامي، ومنها المترجم إلى عدّة لغات كالإنكليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة.. كمناجاة علي ورباعيّات وألـله ونقطة زيت.
نال، في عام 1985، جائزة الأرز الأدبيّة من قنصل لبنان العام في سيدني آنذاك الأستاذ جان ألفا. وفي العام 1986 نال جائزة تقدير الكلمة من الأديب سامي مظلوم ـ مالبورن. وفي العام 1987 منحته رابطة إحياء التراث العربي جائزة جبران العالميّة على ديوانه "كيف أينعت السّنابل"..كما كُرِّمَ عدّة مرّات وأُلِّفت عنه الكتُب.
شارك شربل بعيني، أيضاً، في تأليف وإخراج عدّة مسرحيّات باللغة العربيّة لأطفال مدرسة سيّدة لبنان، نذكر منها: فصول من الحرب اللبنانيّة، ألو أستراليا، الطّربوش، هنود من لبنان، ضيعة الأشباح ويا عيب الشّوم.
يجدر بنا أن نشكر الشّاعر الأديب شربل بعيني على مؤلّفاته القيّمة، الّتي ساهمت، وما تزال، في نشر الكلمة العربيّة والشّعر العربي في هذه البلاد البعيدة.. كما أنّه ، أي شربل، يغني التراث العرب، ليس في أستراليا وحسب بل وفي كلّ البلاد العربيّة والمهجريّة. بإيجاز، نستطيع القول: إنه أحد أهم أعلام الأدب المهجري، أو كما كتب عنه الأديب السّوري المتخصّص في أدب المهجر الأستاذ نعمان حرب: "هو شاعر العصر في المغتربات". فلا بدّ إذن من التّوقّف عند بعض مؤلّفاته الشّعريّة، وذلكَ بهدف تقديم لمحة عن خصائص شعره.
لقد اخترت من كتبه ديوان "معزوفة حبّ"، وهو يقع في 135 صفحة من الحجم الوسط، ويحتوي على 47 قصيدة، ومن هـذه القصائد اخترت "يا ريت":
رح ضلّ حبِّك للأبد رَح ضلّ
تا يِخلَص مْنِ الزَّيْت قنديلي
وما تعود إيدي تْطال زهرة فلّ
وْلا تعشق النّايات ترتيلي

كنتي اللِّقا .. لَمّا الشِّراع يْميلْ
صرتي السّفر وبحورك الغربِه
وصارت شْفافك تنزف مْواويل
وتتجمّع مْواويلها بقلبي

وبالصّورة الْعَم تضحَكيلي نْهَارْ
دبلت الضّحكه وْكَرجِت دْموعِك
شفت الأسى مْخَيَّم عَلَى التِّذْكار
وْمَوج السَّراب مْغَرَّق رْجُوعِك

يا رَيت فِيّي إسرقك يا رَيْت
وْغَمِّضْ عْيُوني عَ السَّعادِه وْنام
لكن " ياريت " الْما بْتِبْنِي بَيْت
كيف بَدّها تْحَقِّق الأحلام؟!..
يوجّه الشّاعر شربل بعيني كلامه إلى سيّدة ما، قد تكون صديقته أو حبيبته، أو قد تكون في أحيان عديدة إمرأة مجهولة. وبين قصيدة وأخرى نرى شعوره يتغيّر نحو هذه المرأة... ولكنّه وكما يذكر الأديب جوزاف أبو ملحم في مقدمة معزوفة حبّ ".. يعاهدها برقّة المعاملة" ـ ص 15 ـ.
يستهّل الشّاعر شربل بعيني قصيدته "يا ريت" بإعطاء وعد لحبيبته: فهو سيظلّ يحبّها إلى الأبد، وحبّه هذا سيدوم إلى آخر أيّام حياته، ولكي يقنعها بوعده ، نراه يستعين بالأسلوب المجازي المُقْنِع:
رح ضلّ حبِّكْ...
تا يخلص من الزيت قنديلي
أمّا في المقطع الثّاني من القصيدة، فهو يشرح المأساة التي يعانيها من جرّاء غياب حبيبته عنه.. فهي، بنظره، كانت تجسّد اللّقاء، أما الآن، فأصبحت تجسّد السّفر، والبحار تجسّد الغربة. ويستخلص القارىء من هذه الأبيات، أن حبيبته غابت عنه، وأصبحت شفتاها تنزفان مواويل، فتتجمع المواويل في قلبه:
.. وصارت شفافك تنزف مواويل
وتتجمّع مواويلها بقلبي.
أما في المقطع الثالث، فيرسم الشّاعر صورة تبدو فيها حبيبته، بادىء ذي بدء، ضاحكة، ولكنّ ضحكتها هذه سرعان ما تذبل، وتكرج دموعها.. نتيجة لذلك، يشعر الشّاعر بالأسى:
شفت الأسى مخيَّم على التّذكار
ويسترجع صورة الموج الّذي يذكره باستحالة عودة حبيبته إليه:
.. وموج السّراب مغرّق رجوعك.
وفي المقطع الأخير، يتمنّى الشّاعر لو أنّ بإمكانه سرقة حبيبته لكي يرتاح، فإن أغمض عينيه يستطيع النّـوم بسعادة:
يا ريت فيّي إسرقك يا ريت
وغمّض عيوني عَ السّعاده ونام
ولكنّه يعتـرف بأنّ "يا ريت" عمرها ما كانت تعمِّر بيتاً، فكيف بإمكانها تحقيق أحلامه:
لكن يا ريت الما بتبني بيت
كيف بدّها تحقّق الأحلام؟
وخلاصة، فإن قصيدة شربل بعيني هذه، ما هي سوى أحلام يتمنّاها الشّاعر، ولكنّه يعترف باستحالة تحقيقها. وهذا الشّعر هو من النّوع الغزلي، والغزل يعتمد على مخاطبة الحبيب والتّغزّل به. كما يعتمد أيضاً على التّعبير عن العواطف التي تتفاعل في داخل الشّاعر تجاه حبيبته .
لقد استعمل الشّاعر أسلوباً سهلاً في تعبيره، قوامه اللغة العاميّة والصّور المجازيّة الموحية.
وأخيراً، أريد أن أهنّىء الشّاعر على ديوانه هذا، لما فيه من نغم وألوان وصور تساعد القارىء على فهم ومعايشة الشّاعر في مأساته الغراميّة. وباختصار فإنه يصلح لأن يكون أغنية يغنّيها كل حبيب لحبيبته.
ـــــــــــــــــــــــــــ
ألمراجع :
ـ بعيني شربل، معزوفة حبّ، الطبعة الأولى، دار عصام حدّاد 1989.
ـ حرب نعمان، مجلّة الثّقافة السّوريّة الصّادرة في 20 ـ 11 ـ 1993.
ـ وهبه ألبير، مقدّمة ديوان "مجانين" لشربل بعيني، الطّبعة الثالثة 1993.
ـ حدّاد عصام، مقدمة ديوان "الغربة الطّويلة" لشربل بعيني، الطبعة الثانية 1992.
**